إشراقة: إنسان الألفية الثالثة

إننا نعيش حلقة جديدة فى مسيرة التطور الإنسانى فى مطلع الألفية الثالثة، ومن ثم لا بد من إنسان جديد يتسم بخصائص مميزة تتجه نحو التنوع، والتنافس، والتميز، والعالمية، نحن قطعا ندرك أن خصوصية مجتمعاتنا، قد تختلف عن المجتمعات الأخرى، ولكن تصور الإنسان الجديد، يظل عنصرا جوهريا فى إطار مواكبة العصر، وهذا يتطلب منا أخذه فى الحسبان والاستعداد له؛ لأن ذلك يتجاوز خصوصية المجتمع إلي عمومية العصر .

إن هذا الإنسان يلزم أن يتصف بكثير من الخصائص والقدرات والمهارات حتى يستطيع العيش والتفاعل والتوافق والتنافس والتفوق على الآخرين في هذا القرن المليء بالتحديات. إنه تأكيد علي العالمية في التفكير والمحلية في التنفيذ لتحقيق حاجات الإنسان العصرى الذى ينطلق من " locally Think globally but act " وهو منهج هام لكل من يخطط للمستقبل للحاق بالعالم. لأنه علينا أن نفكر في إطار أوسع وأرحب، ونأخذ في اعتبارنا المتطلبات العالمية، لكن علينا في الوقت نفسه أن نهتم ونأخذ في تقديرنا خصوصية مجتمعنا عند التنفيذ، والاحتياجات الخاصة لإنسان العصر الجديد.

حقيقة ليس من السهل أن نحدد شخصية إنسان الألفية الثالثة، ونعرفه تعريفا علميا جامعا مانعا، ولكن هذا لا يمنعنا أن نحاول البحث عن أهم خصائصه وهنا سنلقى بعض الضوء على الصفات والمزايا التى يمتاز بها عن غيره، إنها سمات يتوج بها إنسان الألفية الثالثة لكى يواكب عصر ثورة المعلومات، عصر المعرفة.

إن إنسان الألفية الثالثة هو الذى يدرك أن العلم والمعرفة من خلال القراءة والبحث وتنوع المعلومات، وتنوع مصادرها، عنصر جوهري في المنهج العلمي لإنجاز المشروعات الناجحة. إن المعرفة هى نافذة النور، هى المفتاح الحقيقى للفهم لما حولنا، وهى أيضا التى تدفعنا إلى رؤية المستقبل.

إنسان الألفية الثالثة يدرك أن الوقت قيمة كبرى فى مسيرة الحياة، وأن الزمن محايد، أى إننا نشكل الزمن بعقولنا وأفعالنا، ويفهم أن عالمنا هو ما نعمله، وهو يعتمد علي ثروة عقلنا وحيويته، فنحن نري ما نملك القوة لرؤيته، ومن هنا فالعالم واحد، والزمن واحد، ونحن من نعمل. ومن يدرك أن الوقت هو الحياة فقد فاز بقيمة التقدم.

إن إنسان الألفية الثالثة يستخدم مفهوم مهارات التفكير المبتكر فى قمتها، حيث يستخدم قدراته العقلية فى معالجة الموضوع المراد بحثه بكل البيانات والمعلومات المتاحة لتحقيق الهدف من تذكر المعلومات، ووصف الأشياء وتصنيفها وحل المشكلات والوصول إلى استنتاجات منطقية للموضوع فى خريطة ذهنية متكاملة. إن التفكير المبتكر والمتجدد يعنى طرقا جديدة لرؤية الأشياء، فهو يعمل بمرونة، ويتحرك فى اتجاهات متعددة يحاول أن يكتشف حلولا للمشكلة بمنظور رحب دون التقيد بقضبان السكك الحديدية الجامدة.

إن لياقة الجسم لدى إنسان الألفية الثالثة هى مقدرته على العمل بمهارة، وذلك لامتلاكه أعلى قدر ممكن من الصحة نتيجة التوافق البدنى والقوة الحيوية لأعضاء جسمه، بالإضافة إلى الاتزان الانفعالي، والوعى الاجتماعي، والقدرة على التكيف، وأيضا القدرة على اتخاذ القرارات فى المواقف المختلفة. إن الرياضة تجعلنا نشعر بالمتعة والسرور والسعادة عند ممارستها، وهذا كله يساعد على معرفة اتجاهات وقيم ومهارات وصفات معنوية تؤهل للحياة بانسجام فى المجتمع.

يؤمن إنسان الألفية الثالثة أن المبادرة طريق إلى النجاح، والمبادرة تجعل الأحلام حقيقة، لأن الانتظار آفة كبرى فى تبديد الوقت، الإنتظار يأتى بمزيد من الكسل والخمول، الانتظار هدر للأفكار المبتكرة، الانتظار ضياع للمشروعات الكبرى التى يمكن أن تغير من مسيرة حياتك، وحياة المحيطين بك. يدرك الإنسان الناضج أنه لا يجب الإنتظار، فالانتظار لا يفيد ولن يحقق شيئا. الانتظار سكون، الانتظار حياة ميتة، علينا أن نكون من أصحاب المبادرات، علينا أن نخلق الفرصة، علينا أن نصنع مسارا خاصا لحياتنا بالعمل الجاد، والعمل الجاد هنا ليس كلمة تقال، وإنما فعل يمارس على أرض الواقع.

إن إنسان الألفية الثالثة يحمل قيمة التفاؤل معه أينما حل وفى كل وقت. إنه يعمل فى الحاضر بقوة لبنائه، والبعد عن التفكير في الماضي، هذا الماضى الذي لا يمكن تعديله، والبعد عن القلق من المستقبل، المستقبل الذي لم يأت بعد، وإنما العيش في الزمن المضارع. إنه يفهم قوة اللحظة الحاضرة، اللحظة الآنية " The Power of Now " ، يفهمها بكل التفاؤل، ويعمل بكل الجدية والإرادة لكي يؤدي دوره في مسيرة الحياة.

يفهم إنسان الألفية الثالثة أن بالحياة ألوانا وأطيافا وظلالا لا نهائية، ومحاولة رؤية الحياة والتعامل معها على أنها لون واحد، ولا شىء غير ذلك، إنما هى ضرب من الجمود، حيث إختزالت الإختلافات كلها فى شىء واحد، ذى لون واحد، والتمركز عند هذا المنظور الواحد إنما هو أحادية للرؤية، وهذا يتسم بالتصلب، والتوقف عن التطور، وعن رحابة التنوع الذى يمنح الحياة بهجة التجدد الإنسانى.

يدرك إنسان الألفية الثالثة أن الحرية دفاع عن مبدأ، عن قيمة. الحرية ليست تحطيم القوانين والشرعية. الحرية ليست التمرد علي الواقع، حتى يفقد الواقع ما لديه من إنجازات، بل هى المحافظة على ما لدينا لتطويره ونمائه. أن تكون حراً هو أن تكون لديك القدرة على الاختيار، القدرة على الابتكار والاكتشاف، وأن تكون حراً معناه أن تكون لديك حقوق وعليك واجبات. يفهم إنسان الألفية الثالثة أن الحرية التزام، ونظام، واحترام لكل ما نتعامل معه.

إن إنسان الألفية الثالثة يرى أن طاقة الحب ليست رؤية تقليدية تنبعث من الماضى البعيد، وليست فعلا مستغربا فى عالم اليوم ـ رغم ما به من تقلبات ونزاعات وحروب ـ وإنما هى طاقة باقية بقاء الإنسان على الأرض، طاقة نماء، وطاقة عطاء تفوق الخيال. يدرك الإنسان الناضج أن الحب هو هذا الكائن الروحانى الكامن فى داخلنا، هو الطاقة الروحانية التى تحرك الأشياء فينا، وتغير العادات، وتبدل السلوكيات نحو الأرقى. إن إنسان الألفية الثالثة يؤمن أن طاقة الحب طاقة تنويرية مشعة على الكون بأسره.

إن إنسان الألفية الثالثة يحيا في هدوء مع نفسه ومع الآخرين، ومن هنا فإن لديه القدرة علي تطوير نفسه وتطوير العالم الذي يحيا. إنها روح مشرقة جميلة. إن شخصية إنسان الألفية الثالثة شخصية حضارية إنسانية، لأنها ترتقى فى سلوكها من المنظور الضيق والمحدود للشخصية، إلى المنظور الأكثر رحابة نحو قيم التقدم التى تواكب العصر. لماذا لا نكون هذا الإنسان؟