إشراقة: اليابان وقيمة العمل

خبر غير عادى، وهو " تقوم الإدارة فى المؤسسات اليابانية للتخطيط لجدول أجازات إجبارية للعمال، لأنهم يعملون بشكل مستمر وأكثر من الوقت الطبيعى" . ما هذا؟ يعملون بشكل مستمر من أجل مؤسساتهم؟! نعم، إنهم يعملون من أجل اليابان، بلدهم. ما أحوجنا أن نتقن الدرس، لقد وجد هؤلاء اليابانيون سعادنهم فى العمل. لقد آمن اليابانيون بقول إدوارد ديمنج ( 1900- 1993) رائد وصانع الإدراة الحديثة فى اليابان " اذا كان فى استطاعتك أن تؤدى العمل باجادة عالية، فما المانع من الامتياز ؟ " نعم العمل بامتياز ركنا أساسيا فى منظومة الحياة، العمل يجعل للإنسان قيمة ويشعر الإنسان من خلاله أنه ينتج، ويبنى ويشيد، وبالتالى يرتقى بنفسه ومجتمعه ووطنه، ويمكن أن يكون لهذا العمل إتساعا إلى الإرتقاء بالمحيط الإنسانى. عنصران مهمان للتفوق اليابانى، المهارة والعمل الجماعى.

إن المهارة فى العمل بعدا ضروريا لكى نتقن ما نصنع، ولكى نستمتع فى نفس الوقت بالعمل الذى نقوم به، فالمهارة التى يكتسبها الشخص تجعل عمله ذو حرفية بارعة، وتجعله متفوقا على أقرانه، فمهارة العامل فى صناعة الأخشاب، ومهارة الأديب فى إستخدام اللغة، ومهارة الطبيب فى إجراء العمليات الجراحية، كلها أشياء ترتقى بقيمة العمل الذى نقوم به على إختلاف أنواعه، وهو أيضا يعطى الإحساس بالمتعة والسعادة، كما لا يمكن أن نتناسى أن المهارة يجب أن تتطور طبقا لمتغيرات العمل وظروفه الجديدة، وذلك حتى يستطيع الإنسان الإستمرار فى التحسن إلى الأفضل، فاليوم لا يكفى للشباب أن يحصل على الدرجة العلمية فى تخصص ما، وإنما على الشباب أن يتقن مهارات هذا التخصص، بالإضافة إلى مهارات آخرى ليست مكملة، وإنما هى أساسية فى تعلم لغة الكومبيوتر الذى يفتح آفاقا جديدة فى التعرف على تخصصه الدقيق، وأيضا لكى يتمكن من متابعة أحدث النظريات أو الأبحاث أو المشروعات فى تخصصه، وأيضا معرفة اللغات التى نطل من خلالها على الشعوب والثقافات الآخرى.

إن السبب الحقيقى وراء تقدم اليابان هو تكتل اليابانين وإحساسهم أنهم فرد واحد، يسعى إلى صنع دولة قوية ذات إقتصاد قوى ينافس العالم، يفنى اليابانى حياته فى العمل، بغض النظر عما يتقاضاه عن عمله هذا، فدقة عملة الشديد، وإخلاصه لما يقوم به من بناء وزراعة وصناعة، كل ذلك يؤدى فى النهاية إلى هدف واحد ألا وهو " دولة غنية متقدمة " وهذا هو هدفهم الأسمى، فإذا ما تحدثنا عن دور الجماعة فى صنع الإقتصاد اليابانى القوى، فهناك كثير من الشركات بدأت برجل واحد وأخذ هذا الرجل يعمل ويكد وينمى تجارته حتى بدأ كيان شركته ينمو ويكبر ويدخل معه الشركات الصغيرة، حتى صارت شركة كبيرة، لأن كل صغير إذا ما أصبح كتلة واحدة فى كيان واحد، تضخم وأصبح قوى للغاية، هكذا يؤمن اليابانيون. وبذلك انتشرت مجموعة شركات عملاقة فى جميع أنحاء العالم، وتقوم هذه الشركات بتصدير قطع غيار ومستلزمات مختلفة للصواريخ والأقمار الصناعية ومركبات الفضاء للعديد من وكالات الفضاء، ولكن السبب فى هذا التقدم يكمن فى مفهوم العمل الجماعى لليابانيين وتطبيقهم له بصورة جيدة، إن النجاح أيضا للمؤسسات اليابانية يرتبط بما تم إستحداثه من هياكل إدارية عصرية، وبما تم إبتكاره من برامج وسياسات وآليات عمل واعيه لما تقوم به. لقد إستطاعت اليابان وغيرها من الدول أن تتقدم بالمجتمع بفهم قيمة إحترام العمل المتقن، علينا إدراك ذلك سريعا من أجمل صورة متقدمة وحضارية لبلدنا العزيزة.